سوريا
عامر علي
الجمعة 1 آب 2025
طغا ملف الجنوب السوري على المؤتمر الصحافي المشترك بين الشيباني ولافروف (أ ف ب)
بالإضافة إلى كونها الزيارة الأولى من نوعها لوفد رفيع المستوى من الإدارة السورية الجديدة إلى روسيا، يحمل توقيت هذه الزيارة وطبيعة الوفد الذي شارك فيها، رسائل عديدة حول محاولة الإدارة إيجاد التوازن في الملف السوري الذي يعيش أحد أعقد أيامه على وقع التوغّل الإسرائيلي من جهة، والمطبّات العديدة التي أوقعت دمشق نفسها فيها، من جهة أخرى. وشارك في الوفد السوري، الذي ترأّسه وزير الخارجية أسعد الشيباني، وضمّ وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس الاستخبارات حسين السلامة، ومسؤولين آخرين، من خلف الستار ماهر الشرع، شقيق الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، والذي يشغل منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، وسط تسريبات عن دور أدّاه الرجل الذي يتقن الروسية (طبيب متزوجة من مواطنة روسية وكان يعيش فيها حتى عام 2022) في التوسّط بين «هيئة تحرير الشام» وموسكو في المدّة الماضية (حتى قبل سقوط نظام الأسد).
وإذ كان من المفترض أن تلي زيارةَ الشيباني لموسكو، مشاركةٌ مجدولة له في لقاء، هو الثاني من نوعه، مع وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، في العاصمة الآذربيجانية باكو، في إطار الوساطة الأميركية – الفرنسية بين الطرفين للوصول إلى تفاهمات أمنية حول الجنوب السوري، لا يزال مصير هذا اللقاء غير واضح التوقيت. ويأتي ذلك وسط تسريبات تتحدّث عن تدخّل روسي أدّى إلى إرجاء الاجتماع، خصوصاً أنّ زيارة الشيباني جاءت بعد أيام قليلة من اتصال هاتفي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتمّت عبره مناقشة سلسلة من المواضيع بينها ملف الجنوب. وكانت إسرائيل توغّلت في جنوب سوريا بعيد سقوط النظام السابق، وعزّزت سطوتها فيه إثر الهجوم الذي شنّته فصائل تابعة أو موالية للإدارة الجديدة على السويداء، وبدأت فرض سلسلة من الشروط حول وضع هذه المنطقة، التي باتت السويداء فيها أقرب ما تكون إلى «الحكم الذاتي» بعد تولّي فصائلها المحلّية الدرزية مسؤولية حمايتها.
وأثناء المؤتمر الصحافي المشترك بين الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف، طغى ملف الجنوب السوري على المشهد، وحاول الشيباني إعادة تأكيد نوايا إدارته السلمية تجاه إسرائيل، في وقت بدا فيه تركيز لافروف واضحاً على مصالح بلاده في سوريا، بما فيها المصالح الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي تمّ الإعلان عن تشكيل لجنة مشتركة بخصوصه، بهدف العمل على إعادة صياغة الاتفاقات السابقة.
وبموازاة لقاء لافروف – الشيباني، صدر عن مسؤولين روس، بينهم سيرغي فيرشينين، نائب وزير الخارجية الروسي، تصريحات تؤكّد حرص موسكو على تأمين وجودها العسكري في سوريا (قاعدتا حميميم الجوية وطرطوس البحرية)، وأنّ الاتصالات بين موسكو ودمشق في شأن هذه القواعد العسكرية «لا تزال مستمرة». ولفت فيرشينين إلى أنّ تلك القواعد تعتبر «عاملَ استقرار في المنطقة وقد تؤدّي دوراً إنسانياً في سوريا»، في تأكيد روسي معلن لنيّة عدم التنازل عن نفوذ موسكو في الملف السوري، رغم التغييرات التي حصلت.
فتحت الزيارة الباب أمام صياغة معادلة جديدة في سوريا، في ظل العلاقات القوية بين موسكو وتل أبيب
وبدورها، ترسل مشاركة وزير الدفاع السوري، الذي أجرى لقاء مع نظيره الروسي، القادم من خلفية اقتصادية، أندريه بيلاوسوف، حضره الشيباني، جملة من الرسائل حول الدور العسكري الروسي في سوريا، التي بنت جيشها سابقاً على العتاد الروسي. وتمحور ما تسرّب عن هذا اللقاء حول خطوط عريضة تتحدّث عن «سبل تعزيز التعاون الدفاعي بين دمشق وموسكو، إضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدّمتها وضع القواعد الروسية في سوريا والدور الذي يمكن أن تضطلع به مستقبلاً». غير أنّ مصادر مطّلعة أكّدت، في حديثها إلى «الأخبار»، أنّ هذا اللقاء تناول أيضاً عملية تشكيل الجيش السوري الجديد، خصوصاً أنّ روسيا عملت أثناء العقود الماضية على هيكلة الجيش المنحلّ. كما تناول مساعي الإدارة لدمج الفصائل في هيكلية واضحة، وسط مخاوف روسية من الدور الذي قد تؤدّيه الفصائل المتشدّدة في هكذا هيكلية.
وعلى هامش الزيارة، استقبل الرئيس الروسي، الشيباني، فيما وجّهت موسكو دعوة للشرع للزيارتها، والمشاركة في القمة الأولى الروسية – العربية المقرّر عقدها في تشرين الأول المقبل. ويعني ذلك أنّ الشرع، الذي من المنتظر أن يسافر إلى الولايات المتحدة في شهر أيلول المقبل للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد يزور روسيا بعد زيارته أميركا مباشرة، الأمر الذي قد يساعد الإدارة الجديدة على رسم ملامح التوازن الذي تسعى له، بعد أن اختبرت على مدار الأشهر الثمانية الماضية وضع جميع بيضها في سلّة الغرب، وتجاهل الدور الروسي.
على أنه لا يمكن البناء على زيارة الشيباني للقول إنها أعادت فعليّاً رسم خريطة التوازنات، ولكن المؤكّد أنها فتحت الباب على مصراعيه أمام صياغة معادلة جديدة في سوريا، في ظلّ العلاقات القوية بين موسكو وتل أبيب من جهة، وإعلان روسيا حرصها على وحدة سوريا، ورفضها الاعتداءات الإسرائيلية عليها، بالإضافة إلى موقفها الثابت الرافض لسياسة العقوبات الاقتصادية، التي تعتبر أحد أبرز أسلحة الغرب.
وبموازاة زيارة الوفد السوري إلى موسكو، وما تخلّلها من لقاءات سياسية وعسكرية رفيعة المستوى، أعلنت «هيئة البث الإسرائيلية» عن اتصال هاتفي تمّ بين الشيباني وزعيم الطائفة الدرزية في الأراضي المحتلة، موفق طريف، الذي يحظى بعلاقات قوية جدّاً مع موسكو، ويؤدّي في الوقت الحالي دوراً بارزاً في ملف السويداء. إلا أنّ «هيئة البث» لم تذكر موعد هذا الاتصال بالتحديد، لافتة إلى أنه جرى قبل أشهر عدّة. كما ذكرت أنّ إسرائيل نقلت رسالة إلى الشرع بأنها ترفض أي وجود للجيش السوري في جنوب البلاد، وتصرّ على تسليم إدارة الجنوب للفصائل المحلّية، التي يمكن أن يتمّ اتباعها لوزارة الداخلية، في ما يمكن اعتباره خطوة صغيرة من تل أبيب نحو الشرع، تضمن لها «خطوطها الحمراء» (المتمثّلة بالجنوب منزوع السلاح وحماية الدروز)، وتفتح الباب أمام حضور شكلي للإدارة جنوباً.